السبت، 11 مارس 2017

الباخرة

كنت أشبه الباخرة و كنت أحمل لحوماً تكفي لسكان قرية صغيرة لمدة أسبوع ... كنت مشهوراً جداً فلا يوجد طفل تركته أمه في الشارع لكي يتعلم عدم الأدب إلا و قام بالتعليـــــــــــــق و التمثيل و الإخراج أيضاً ... كم كنت ملهماً لأطفال القاهرة .
دفنت نفسي في هذا الجسد طيلة عمري و رضيت بالذي ظل متمسكاً بي و رضيت بمن وافق على صحبتـــــــي أو أجبر عليها و رضيت بعملي و كنت أعلم أنني موفق .. فإلى الآن لم يتم طردي أو أنهم لا يعلمون عن حقيقة البواخر عندما تحطم القلوب و المباني و تلفت النظر بمجرد عبورها و عندما تحطمت كثيراً كبرت في العمر كثيراً ... لم أعش فترة مراهقتي لكني عشتها مؤخراً ... لم أقم بما يفعله الشباب فلست أنتمي لهم فقط عندما أتممت عامي الثالث و انقضاء عشرين ربيعاً أخرى تزوجت ثم بعد ذلك بعشرة أعوم تحطمت و كتبت عني الأساطير قصصاً أنا شخصياً أشكك فيها ... و حدثت المفاجأة بعد ان زارتني الأمراض مبكراً لتشارك  في قتل الحلم أيضاً .. فلم أكد أنهي عامي الأربعين حتى أتممت الستين ...
و قبل أن ينتهي العام السادس بعد الألفين عقدت اتفاقية مع نفسي .. كيف أتخلص من الباخرة أو كيف استبدلها بجسد يشبــــــــه السيارة و حبذا لو لم تكن أمريكية فقط إحدى الكوريات النحيفات  .
و قصصتها .... بيت الداء ... و تركت منها ذكرى ... لم أمت ... بل عشت ... و هربت الأمراض لرجل غبي آخر .. بعد أن كشفت السر
و ها أنا ذا أعود للعام الأول في كلية الآداب جامعة عين شمس – قسم اللغة العربية و ها هو الدكتور رمضان عبد التواب يرفع ضغطنا بفقه اللغة ... و استعدت خمسة عشر عاماً من عمري .. ترى كيف سيكون الحال لو حصلت على امتياز ؟... هل أقوم بالتدريس في الجامعة ؟ و كيف سأبدو اذا خسرت عشرين كيلو جراماً أخرى ... كم هو جميل ثوبك يا فتاة ...

اليوم سأختار العمل ... و الأصدقاء ... و الملابس .. لن يفرض أحدهم شيئاً دون رغبتي و يمكنني التنازل عن أي اتفاقية لا تناسب مكانتي العلمية و الأدبية اليوم سأبدأ من حيث توقفت ... أقصد عندما تخرجت في الجامعة .

الضمير

لم أعد أكتب
يبدو أنني فقدت إحساسي و انشغلت كثيراً بجمع النقود ... أعترف أنني لم أكن أهتم كثيراً بها من قبل لكنها الآن أصبحت أعز صديق .. كنت من القوم  الذين يطلق عليهم أنصار المدرسة الرومانسية و كارهي المادية و كنت أدخر أخلاقاً حتى ملأت منها حمـــــل بعير و انطلقت به أخيراً و تأكدت تماماً أنه غرق في النيل ... لذا تجد سائقي المراكب في غاية الطيبة هذه الأيام و النيل هادئ و منخفض و يستأذن قبل أن يبتلع الصبية و عندما تسأله عن مكان الغرقى يبتلعك أنت أيضاً فهو كريم و أنت تستحق ...
ما تبقى من أخلاقي صنعت منه أوراقاً و صنعت من ذلك طائرات ورقية و منذ يومين فقط قمت بصحبة  آسر و عمر ولدي بمشاهدة المنظر الجميل عندما غطت سماء حارتنا التي انضم لها أخيراً كعضو جديد و تركها كذلك متخلف سابق هيا لنبدأ العمل فقد أضعنا الوقت كثيراً

ترى ماذا سنبيع أولاً  ؟ ....  الضمير   .  

أنا صديق ( شعبان )

أغرق في فنجان قهوتي و أعرف أنني لا أستطيع السباحة ... و لم أكن مبدعاً أبداً في إنقاذ نفسي من أي غرق ، و أخطر ما في الأمر أنني غرقت منذ زمن في أفكاري .. و سألت نفسي كثيراً هل مازلت ذلك الطفل الذي تكّون من البراءة و كان طعامه الحب و لم يعرف الشر طريقاً اليه ؟ أم أنني أصبحت مثلهم ؟... لي رقم و يلقبونني بلقب ليس يشبهني و أعيش في المدينة الكبيرة مع أناس يعيشون نفس المأساة و ندور حول نفس الحقائق نزيفها كل يوم ... حتى لم يعد يبقى بيننا خلق واحد لم يتم تشويهه ... اننا نهبط الى الأسفل ، في العام الماضي كان من يقدس الفضيلة عشرة رجال و في هذا العام اندثرت الفضيلة و أخذت مكانها أخلاق أخرى ... في الماضي كان من يتصف بها يصبح منبوذاً .. و الآن من لم تدهن وجهها بنصف كيلو ألوان هي في الحقيقة .... قروية ... و من لم تصادق رجلين ... هي في الغالب معقدة و من لم يتنفس دخاناً أزرقاً أو ينفثه .. ريفياً أصدقاؤه إبل و ماشية ...
كنت أقف في الصف ثم اكتمل العدد ... ألف ...  جميعنا يستعد للقاء قدره ... و عندما أشار أحدهم بالبدء حصل معظمنا على كسرة خبز ... و من لم يحصل على شيء مضى في طريقه ثم عاد في الغد و عندما اكتمل العدد ... ألف ... أشار نفس الرجل بالبدء فحصل القليل منا  على كسرة خبز .. و انطلق الذين لم يحصلوا على شيء ( و أخدوا تاكس و روحوا هما ) لكني وضعت لافتة على صدري كتبت فيهــــــــــا ( أنا صـــديق شعبان ) و ( شعبان ) هذا أغرب شخصية مصرية قابلتها فهو الوحيد الذي وثق في شخصي و اعتبرني صديقه الصدوق و قد صدمني هذا كثيراً .. فإما أنه مغيب أو أنه لا يوزن الأمور بشكل جيد .. و لك أن تتخيل أنه يقوم بإقراضي مبالغاً تتعدى الألف ريال و العجيب أنه يثق في أن أعيدها إليه ... و لأني ذكياً بقدر كافٍ أعيد له ما اقترضه ... حتى أوقعه في مصيدتي و هو الحصول منه علـــــــــــى مبلغ كبير ... ثم أقوم بما أفعلــــــــه دوماً و أشهر إفلاسي .. و لتطالب بما تريد في الوقت الذي لا يحصل أحد على شيء حتى لو وصلت الى المحكمة ... أذكر أنني في بداية عملي بالمؤسسة كان هو يعمل في الموقع كمشرف على العمال و كنت انا إدارياً و لم يكن يعلم عني الكثير لكنه توسم في الخير باعتباري ... إنسان .... و كان وقتها يمتلك ورقة نقدية فئة المائتان ريال و كانت ممزقة ... لكني انتهزت الفرصة و اقترحت عليه بأن لي أصدقاء كثر في الحكومة و انني سأعيد له المبلغ بعد أن أستبدله من مؤسسة النقد ... صدقني المسكين ... أذكر أن هذا الموضوع حدث منذ عشرة أعوام أو يزيد و إلى الآن لم يحصل على إجابة ... و لما كان يسألني أين نقودي ؟ كنت أجيب بمنتهى الصراحة أنني اشتريت بها ( 10 كيلو لحمة ) .

و سبب اقترابي منه و مصادقتي له .. هو صديق مشترك لنا من الجنسية السودانية و يتعامل معنا أننا من كوكب مصر ... نبهني ألا أحاول  التعامل مــــــــــــــع( شعبان )  لأنه متدين جداً و لا يحب المزاح ... و لا يطيق من هم على شاكلتي ... فآلمنـــــي أنه أخبرني بذلك فلست أعمل راقصة ... و تحديت نفسي و أقنعت ( شعبان ) بأنه يمكنه ادراجي وسط أصدقائه الى أن حصلت على المكانــــة الأكبر ... لكن المسكين ... لم يعد متديناً كثيراً ... و غالباً يتحدث مع نفسه بصوت عــــــــال ... كم أشفق عليه ... و طالما كان صديقاً وفياً ... و كنت أنا كما أنا لم أتغير ... يقــــــدم الكثير و أنا أتلقى ذلك بمنتهى الثناء ... و يدافع عني باستماتة و أنا ( و لا كأني موجود )  و عندما انتبه في  أحد المرات سألني لماذا يقدم هو لصداقتنا الكثير و أنا لا أحرك ساكناً ؟ فأخبرته : ( لأنك رجل طيب ) . ... حاولت الابتعاد عنه فهو رجل لم تلوثه مدينتنـــا  له أبناء ... لكني أيضاً التمست لنفسي العذر أليس من حقي أن أتعامل مع شخص لا يشبه من هم في مدينتنا و يقوم بإقراض أصدقائه . 

سيد كفتة

لكي أصل الى فلسفتي ... خسرت نصف حياتي ... وصنعت أخيراً الخطة الصحيحة التي لا بد أن أتبعها ... و بعد أن أتممت أدوات العمل و عند توزيع الأدوار... لم أجد أبطالاً غيري و لم تتبقى بطلات تذكر و الأدوار الثانوية لم تعد ترضي أحد .. أحقاً يرغب من هم دون المستوى لاعتلاء المسرح و التحدث بكلمات لا تليق بهم أو بأوزانهم ... العجيب أنني وجدت مخرجاً للعمل يدعى " سيد كفتة " ما الذي سيصنعه " كفتة " هذا يا ترى ... لقد نسيت و أنا أبحث عن فلسفتي أن العمر يجري ..و أن الناس لم تعد تتحدث بهذه اللغة   و أنا من قمت بحبك الأدوار و جعلت الحب يتدفق في الطرقات و تركت كل البطولة لي حتى "عمر الشريف " يتمنى هذا الدور ... الغريب أنني ضيعت عمري دون أن أدري و اليوم لم أعد حتى أصلح لمساعد مخرج .. ما دام المخرج " كفتة " لا بد أن يكون المساعد على نفس المستوى ...
أحتاج الى عامين لكي أفهم لغتهم... و نفس المدة لأتحدث بها ... و خمسة أعوام حتى أتمكن من تكوين فلسفة .. ترى هل يمكن بعد ذلك أن أعيش مع هؤلاء  .
كنت أرغب أن يعرف أنني لست دون المستوى و أنني لا أشبه العامة ... قد يكون الشكل مثلهم لكن المضمون الذي تعبت عليه طـــــــــــوال حياتي و التعليم الذي تلقيته في جامعة عريقة و المبالغ الي صرفها أبي لكي أصبح مشهوراً في الأدب لا يمكن أن تذهب سدى و يتم مقارنتي بمن لم يتعبون على أنفسهم و استخدموا الطريق الأقصر للوصول الى لا شيء  ... خاصة عندما ذكر أن شخصاً واحداً فقط من المجموعة هو من يحق له التحدث و الباقين يذهبون لجمع القمامة ... كنت أود ان كون مشرفاً فقط على هؤلاء ... لا لكي أصل الى المتحدث الرسمي و لكن على الأقل كي أحمل حقائبه ... و عندما استعرضت أمامه بانني أتحدث جيداً وجدته يملأ الدنيا ضحكاً هل يبدو على وجهي أنني مضحكاً عندما أقوم بشرح نفسي و أنني آدمي و يمكن أن أكون شبه مثقف
الى أن ذكرت له أنني مؤلفاً لا يشق له غبار و أن لي كتباً في السوق ... لكنه أجاب مازحاً  " سوق دوت كوم " و عندما أقحمته في أعمالي الأدبية

و صار يشير الي في حديثه ... أخبرته ... حمداً لله على سلامتك يا رجل كنا مشتاقون اليك كثيراً   ... صرت أقوم بمجهود حتى أقنع الناس بموهبتي أو على الأقل أن لدي ميزة  .. العجيب أنني لو حقاً أرى أن لي ميزة ما كنت حاولت اظهـــــارها .. كانوا سيكتشفون ذلك و يصنفوني ..  " رجل الغاب طويل الناب " أو من الغابات الاستوائية و يتغذى على الأحراش .. أو فصيلة نادرة ممنوع الاقتراب أو التصوير ... دوماً كنت أتمنى الأخيرة هذه ففيها خصـــوصية و تشعر أن الجميع يعرف قيمتك ... و بعد أن علم عن مدى أهميتي  وضعني في المكانة التي أستحقها .. صرت أجمع الكلمات من المتحدث الرسمي و ابتسم أحياناً في الوقت الذي يمكن لي الابتسام .. لا أضيف و لكني أهز برأسي بحكمة في المواضع التي تستحق ذلك و يرسلني أحياناً للتحدث في الأمور التي لا تليق بالمتحـــــدث الرسمي التحدث فيها و خاصة التي تتعلق بمصروفات اللباقة و " الشياكة " و صنعنا سوياً الفريق هناك من ينام في الجلسة و عندما يشير اليه أحدهم بالتحدث فإنه يدخل في موضوع آخر ليس له علاقة بصلب الموضوع و المتحدث الرسمي الذي تم اختياره بعناية .. و أنا من يقوم باقناع الناس بأنني فاهم .. و أضم ثقافة عالية دون أن أتحدث .. فالحديث يكشفني و يجعلني أبدو كراقصة .   

مختار ابن أم سالم

مختار ابن أم سالم كان يلقب كل واحد منا لقب يستمر معه حتى مماته و قد يورث .. و كان عندما يتحدث تجد من يكتب خلفه كأنه كاتب عدل .. كنا نخاف منه أكثر من آبائنا .. فهو سيمنحك اللقب الذي سينادون به عليك و ينسون اسمك الحقيقي حتى والدك نفسه لن يستطع التدخل ...
اختار لفاروق ( عكاشة ) فكان نظره ضعيف جداً غير أنه عندما يصوب على شيء يصيبه  بحرفيه ... و كان من نصيب صاحب البقالة التي تبيع الجبن ( عسلوكة ) فكان يبيع العسل أيضـــاً و لست أعلم كيف أن هذا اللقب يعني أيضاً أنه ( نصاب ) و قد دفع هذا الرجل مبالغ و هدايا دون جدوى ... علماً بان هذا هو اللقب النظيف له يوجد أيضاً لقب لا يمكن أن أذكره هنا ... و لأن معظم أصدقائي في الحارة لم يزالوا على قيد الحياة ... لن أخبركم بألقابهم فهي ألقاب يعاقب عليها القانون و طبعاً لم ينسى أن يلقبني و كذلك أخي لقبين و هذا يعني أننا دخلنا التاريخ و طبعاً لن أذكرهما فلست غبياً الى هذا الحد لأنني سأحيي الماضي بكل مآسيه ...
كانت الحارة شعبية و كنا لا نحب غيرها ... نعود من المدرسة فنجد أمهاتنا يفحصن الأرز من الشوائب و نشم رائحة الطعام من أول الحارة ... يطبخن سوياً و نأكل سوياً و تربينا سوياً ... نحن الوحيدون الذين امتلكوا جهاز تلفزيون ملون و كنا نستأجر الأفلام الهندية التي كان يشاهدها نصف مليون مواطن في حارتنا ... كنا أشهر من المحافظ و نحن الوحيدون الذين بنوا بيتاً منفصلاً و صرنا من أصحاب الأملاك و هاجرنا من الحارة ثم هاجرنا من مصر كلها الى بلد عربي قريب نحن فيه الآن منذ أكثر من ثلاثين عاماً حتى أننا لم نعد نفرق بين بيوتنا هنا و هناك ... لكني أقسم أن حارتنا لن أنساها و أهلها و ذكرياتها و هي أحب عندي من القصور التي رأيتها و التي لا تحمل معنى ...  
و يبدو أن هذا هو سبب تهديدي بالانتحار في حالة حصول والدي على جنسية غير المصرية ... و أتلقى حتى الآن الاهانات من أهلي...
كنا نلعب اللعب الشعبية و نقامر بصور الممثلين و الممثلات .. وأسعدنا هو من قام بجمع ألف صورة ... و أكثرنا حظاً من قام بجمع صور ( فاتن حمامة ) أو ( عادل إمام ) و من قام بجمع ألف كرة زجاجية بحجم عقلة الأصبع ..
و كنا أكثر تحضراً فقد اهدانا والدنا دراجة هوائية اشتراها من البلد العربي التي يعيش فيها قبل أن نرافقه هناك و كان لها اطارا غليظاً ... و بسببها كنا كنجوم بوليود . كم كنا محسودين لذلك ..
كانت أستاذتي في المدرسة تلقبني بـ ( محمد صبحي ) فكنت أضحكها كثيراً كنا نتنافس في الفصل حتى وصلت الى درجة الرائد و تغلبت عليهم جميعاً بسبب اهتمام الأستاذة بي و عندما قابلتها بعد عشرة أعوام أو أكثر أخبرتني أنني الوحيد الذي التحقت بالجامعة و مازحتني قائلة : كيف لك أن تلتحق بجامعة أعلى مرتبة من جامعة أستاذتك .. فلولا حصولنا على الثانوية العامة من خارج مصر كنا الآن من أصحاب الدبلومات و الشهادات المتوسطة ...
ثلاثون عاماً و أنا مغترب لست أعلم ما الذي يحدث في مصر ... يلقبونني بالعربي و أنا شعبي حتى أصابع القدم ... لقد تربيت في هذه البيوت في مناطق لا يزال يطلقون عليها شعبية ... تعلمت منهم كل شيء ... حتى الحوارات ... تربيت مع هؤلاء ... تربطني بهم علاقات تشبه علاقات الدم و أحمل لهم جميعاً مشاعر تشبه مشاعري لأخي الأكبر ... يلقبونني بالضيف و أنا أكثرهم قرباً من حبيبتي مصر .. مصر التي لا تقدر بثمن ... التي لم يعطها أحداً حقها و هي سيدة العالم ...